لغة القالب

القضاء العشائري في ظل المتغيرات السورية

 عنوان البحث: القضاء العشائري في ظل المتغيرات السورية

إعداد: الشيخ حسين علي المعمو عضو مجلس العشائر والقبائل السوري


مقدمة

في ظل النزاعات والحروب، تلجأ المجتمعات إلى أدواتها التاريخية للحفاظ على تماسكها، وهذا ما شهدته االعشائر العربية في سوريا بعد عام 2011، حيث عاد القضاء العشائري ليتصدر مشهد حلّ النزاعات. لقد فرضت غياب الدولة والانهيار المؤسسي الرسمي واقعاً اجتماعياً وقانونياً مختلفاً، أعاد الاعتبار للقضاء العرفي بوصفه حلاً عملياً للنزاعات في المجتمعات القروية والبدوية.

هذا البحث يسعى إلى تسليط الضوء على آليات هذا القضاء، جذوره، أشكاله، فعاليته، وتحولاته في ظل التغيرات الديموغرافية والسياسية، مع إبراز رؤيتنا كقيادات عشائرية في دمجه ضمن نظام قانوني متكامل يخدم العدالة والسلم الأهلي.


أولًا: القضاء العشائري – تعريف ومفهوم

القضاء العشائري هو منظومة تقليدية لحل النزاعات بين الأفراد أو الجماعات، تستند إلى الأعراف والتقاليد المجتمعية المتوارثة. يعتمد على شخصيات مؤتمنة تعرف بـ"العارفة"، وتستمد قوتها من السمعة والنزاهة والمعرفة الدقيقة بالعادات.

مكونات القضاء العشائري:

  • العارفة: القاضي العشائري صاحب الخبرة والقبول المجتمعي.

  • الجاهة: وفد الصلح المتكون من وجهاء من طرف ثالث.

  • العطوة: هدنة مؤقتة بين الأطراف لوقف التصعيد.

  • الكفيل: من يضمن تنفيذ الالتزامات.

  • الرزقة: رسم مالي يُدفع للعارفة.

  • البشعة، النقط، التوسيد: أدوات تقليدية للإثبات اندثر أغلبها.

**ثانيًا: الخصوصية العشائرية **

تضم المحافظات جميع العشائر العربية والمناطق الشرقية    وتعد من أكثر المناطق السورية طابعًا عشائريًا. سكنت فيها قبائل عربية (شمر، الموالي بني خالد النعيم  العقيدات، الفواعرة...) إلى جانب الكرد، السريان، التركمان، الشاشان.

تأثرت العشائر بمرحلة التحضر بعد الاستقلال، إلا أن نمط حياة البداوة ظل حاضراً، خاصة في العلاقة مع الأرض، النسب، الشرف، وحل النزاعات.


ثالثًا: تحولات القضاء العشائري بعد 2011

مع غياب الدولة، لجأت آلاف العائلات في المناطق الخارجة عن سيطرة الحكومة إلى القضاة العشائريين. وتم حل قضايا من قتل، سرقة، نزاعات ملكية، شرف، عن طريق مجالس عرفية علنية.

أبرز الممارسات:

  • الجاهة تُرسل بطلب عطوة قبل بحث القضية.

  • تعيين العارفة أو لجنة من عوارف.

  • النطق بالحكم وفق الأعراف.

  • تنفيذ الحكم بكفيل وفا وكفيل دفا.


رابعًا: تقييم القضاء العشائري – الإيجابيات والسلبيات

الإيجابيات:

  • سرعة البت مقارنة بالمحاكم الرسمية.

  • تقليل الكلفة المالية.

  • الحفاظ على السلم الأهلي.

  • مقبولية اجتماعية عالية.

  • معالجة الأثر النفسي للمجني عليه.

السلبيات:

  • تحميل جماعي للمسؤولية (العائلة بدل الفرد).

  • ضعف التوثيق الرسمي.

  • بعض الأساليب المخالفة للشريعة (كالبشعة).

  • صعوبة التوفيق بينه وبين القانون المدني.


خامسًا: مقترحات التطوير والدمج

انطلاقًا من موقعنا كممثلين للعشائر السورية، نرى ضرورة الحفاظ على هذا الإرث مع تطويره قانونيًا، من خلال:

  1. توثيق الصلح العشائري بمحاضر رسمية.

  2. منع الأساليب غير الشرعية كالبشعة والتوسيد.

  3. إدخال العوارف في دورات تأهيل قانونية.

  4. التنسيق مع المجالس المحلية والمجتمع المدني.

  5. تضمين القضاء العشائري ضمن العدالة الانتقالية.


خاتمة

إن القضاء العشائري لم يكن يومًا بديلاً عن القانون، بل مكملاً له في فترات غيابه. وقد أثبت في أوقات الأزمات، كما في الجزيرة الفراتية، قدرته على ضبط النزاعات وتعزيز التماسك المجتمعي. وعلينا اليوم تطويره، لا اجتثاثه، من خلال المواءمة بين الأصالة ومتطلبات العصر.

الشيخ حسين علي المعمو
عضو مجلس العشائر والقبائل السورية
٢٣تموز 2025


يوليو 25, 2025

عدد المواضيع