لغة القالب

أهمية ربط العشيرة بالدين الشيخ حسين المعمو

أهمية ربط العشيرة بالدين


يُعدُّ ربط العشيرة بالدين أحد أبرز ركائز النهوض الاجتماعي والحفاظ على وحدة البُنية القَبليّة الأصيلة، لا سيما في المجتمعات العربية التي لا تزال العشائر فيها تمثل مظلة حماية، وأداة إصلاح، ومرجعية عرفية يحتكم إليها الناس في السلم والنزاع.


1. الدين والعشيرة: تكامل لا تعارض

في حين يرى البعض أن العشيرة كيان تقليدي والدين إطار تعبدي، فإن النظرة العميقة تُظهر أن الدين – خاصة الإسلام – لا يعارض رابطة النسب، بل يُقوّمها ويهذّبها. فالعشيرة في أصلها تجمع بشري، والدين هو النظام الذي يوجّه هذا الجمع إلى الخير، ويكبح نوازع العصبية والجاهلية. قال النبي ﷺ:

> "من قاتل تحت راية عمية، يدعو عصبية، أو ينصر عصبية، فقتل، فقتلته جاهلية."

وهذا نهيٌ عن الجاهلية لا عن النسب، وشتّان بينهما.


2. تحصين المجتمع من التفكك

حين تُربط العشيرة بالدين، فإنها تتحول من مجرد رابطة دمٍ إلى مؤسسة أخلاقية. تصبح النخوة مبنية على نصرة المظلوم، لا على العصبية. ويصبح وجهاؤها دعاة إصلاح، لا زعماء هيمنة. الدين يصوغ ضمير العشيرة، ويجعل من قيمها ميثاقاً يتصل بالسماء لا بالأهواء.


3. دور الدين في حل النزاعات العشائرية

الدين يوفر مرجعية عُليا تتجاوز الأهواء القبلية، وتَحكُم بالعدل لا بالميل. فالرجوع إلى الشرع في الخصومات يُقلل من التعصب ويُقوي منطق الصلح. وفي تاريخ العرب، كثيرًا ما كانت مجالس الصلح تبدأ بآيات من القرآن، وتنتهي بأحكامٍ مستمدة من الشريعة، تحسم الخلاف وتنزع فتيل الفتنة.


4. قدوة الصالحين في قيادة العشائر

حين يكون شيخ العشيرة صاحب علم وديانة، يُصبح له تأثيرٌ يتجاوز حدود قبيلته. فالدين يضفي على شخصه مهابة، وعلى قراراته مشروعية، وعلى وساطاته بُعدًا أخلاقيًا يُقنع الخصوم ويُلهم الأتباع. ومن هنا برزت في مجتمعاتنا نماذج لزعماء عشائريين جمعوا بين قوة القيادة، وحكمة الشريعة، فكانوا أنموذجًا للإصلاح والرشد.


5. حماية القيم والهوية

في ظل الغزو الثقافي والتفكك الاجتماعي، تكون العشيرة المؤمنة حصناً منيعًا يحفظ القيم الإسلامية الأصيلة، ويورّثها للأجيال. فعندما يكون أفراد العشيرة محافظين على الصلاة، متمسكين بالصدق، متآزرين في المعروف، فإنهم يصنعون نواةً قويةً لمجتمع متماسك يخدم الدين والدولة معًا.



الخاتمة:

ربط العشيرة بالدين ليس مجرد تزكية روحية، بل هو خيار حضاري يُحوّل القبيلة إلى رافعة للعدالة، وسندًا للضعيف، ومنبرًا للدعوة، ودرعًا للأمن المجتمعي. وفي زمن الفتن والتشظي، تبقى العشيرة إذا اقترنت بالإيمان، ضمير الأمة الحيّ، وذراعها في الإصلاح والنهضة.

حسين المعمو اسطنبول 





يونيو 25, 2025

عدد المواضيع