مقتل الفارس الشيخ علي المعمو بين معركة ذويبة وحادثة الرطبة بقلم حسين المعمو
الفارس علي المعمو بين معركة ذويبة وحادثة الرطبة: فصلٌ من ملحمة الفواعرة والهنادزة في بادية الشام
الشيخ حسين علي المعمو امام القصر الاموي قصر هشام بن عبد الملك في بادية الشام شرقي حمص حيث منازل ومراعي عشيرة الهنادزة منطقة سوح الدوة
في بدايات القرن العشرين، حين لم تكن الحدود السياسية بين سوريا والعراق والأردن إلا خطوطًا على الخرائط، كان أبناء البادية يتنقلون بحرية عبر تلك البلاد، يرتحلون طلبًا للرزق والكلأ والماء، محافظين على تقاليدهم في الكرامة والمروءة والشرف.
في ذلك الزمن، اندلعت معركة ذويبة الشهيرة، بين العشائر العربية وقوى الاحتلال الفرنسي ووكلائه، الذين سعوا لبسط السيطرة على قبائل المنطقة. وكان من أبرز من شارك فيها الفارس علي المعمو الجويد، أحد فرسان عشيرة الهنادزة الفواعرة، وكان في صف واحد مع رجال من العكيدات، والموالي، وعشيرة الهنادزة، حيث سطروا فيها موقفًا تاريخيًا مشرّفًا في الدفاع عن الأرض والكرامة.
إلا أن هذه المعركة، ورغم شرفها، خلّفت توترات ومخاوف نتيجة الصدامات التي وقعت مع قوى النفوذ، وظهرت ثغرات أمنية خطيرة خصوصًا في مناطق القَنَال (ممرات البادية). وعلى إثر ذلك، اتخذت عشيرة الهنادزة، المنضوية ضمن قبيلة الفواعرة، قرارًا بالتحرّك بشكل مستقل نحو منطقة المثلث الحدودي السوري–الأردني–العراقي، وذلك لثلاثة أهداف رئيسية:
1. الابتعاد عن مناطق التوتر والثغرات الناتجة عن معركة ذويبة.
2. طلب الكلأ والماء لمواشي العشيرة من الأغنام والإبل.
3. التزود بالمؤن من مدينة الرُطبة الأردنية، التي كانت مركزًا حيويًا لشراء الطحين والتمر استعدادًا لفصل الشتاء.
وفي هذه الرحلة، خرجت قافلة (ظَعَن) من منازل العشيرة باتجاه الرُطبة، بقيادة الفارس علي المعمو الجويد، ومعه جمع من رجالات الفواعرة، من بينهم مشهور والزيواني، وعدد من النساء. ولكن، وقبل الوصول إلى المدينة، تعرضوا لكمين نصبه قطاع طرق (حنشل) من قبيلة العمارات. طلب الحنشل من القافلة تسليم ما لديهم مقابل النجاة، لكن علي المعمو رفض الاستسلام، وقرر القتال دفاعًا عن العِرض والكرامة.
اندلعت مناوشة بالسلاح، ورغم قلة عدد المقاتلين من الظعن، صمد علي المعمو ببسالة، وتبادل إطلاق النار مع أكثر من سبعة من الحنشل، وفق شهادة الزيواني والنساء الناجيات. وفي خضم المواجهة، أصيب علي المعمو بطلقة في كتفه، فطلب من النساء تعصيب جرحه، ثم عاد لمتابعة القتال. لكنه سرعان ما أصيب في خاصرته إصابة بالغة، حتى قيل إن أمعاءه خرجت من جسده، لكنه حاول مواصلة القتال، إلى أن استُشهد واقفًا كما يليق بالفرسان.
استولى الحنشل على القافلة، لكنهم لم يجرؤوا على أخذ سلاح أو لباس علي المعمو، تقديرًا لبسالته. وتم دفنه في مدينة الرُطبة الأردنية، حيث لا يزال قبره معروفًا حتى اليوم.
ورغم مرور الحادثة، لم ينسَ ابنه سعيد المعمو ثأر أبيه، وظل يبحث عن قاتليه دون جدوى، حتى جاء عام 1963م، وكان سعيد مقيّظًا في إحدى الدواوين، فدخل عليه شيخٌ طاعن في السن، على ظهر ذلوله، وسأل عن بيت سعيد. وبعد أن تأكد من هويته، رفض شرب القهوة، وقال بصوتٍ مرتجف:
> "أنا قاتل أبوك... وجئت أطلب حكمك قبل أن ألقى ربي."
بكى الشيخ وطلب القصاص أو العفو، فكان رد سعيد من صميم دينه ومرؤته:
> "عفوتُ عنك لوجه الله."
وبذلك طويت الصفحة بكرامة وعفو، وسُجّلت هذه الحكاية في ذاكرة العشيرة، شاهدة على بسالة الرجال ومروءة الأحرار.
أغسطس 26, 2019